اللياقة الوظيفية
تعزيز صحة الموظفين ورفاهيتهم أمر في بالغ الأهمية لمواصلة النجاح خاصة في ظل ظروف "كوفيد-19"
اللياقة الوظيفية
تقضي الدكتورة مريم المازمي فترة راحة من العمل نادرة في وقت الظهيرة، مسترخية على الشاطئ مع ابنتها. فبالنسبة لشخص لديه حياة مهنية مزدحمة وعائلة فتية، فإن الاسترخاء يشكل رفاهية بالنسبة للدكتورة مريم، ويعتبر يوماً ثميناً لها.
بحكم طبيعة عملها كطبيبة في قسم الصحة المهنية وسلامة الموظفين في شركة الإمارات العالمية للألمنيوم، كرست الدكتورة مريم نفسها خلال الأشهر الماضية في التنسيق والإشراف على اختبارات كوفيد-19الروتينية لأكثر من 7000 موظف للشركة في دولة الإمارات. وإذ أنها في ذروة الجائحة، خلال شهري مارس إلى يونيو، لم تحظَ بيوم عطلة واحدة. وبعد مضي عدة أشهر، لا يزال لديها اجتماع يومي في التاسعة صباحاً خلال جميع أيام الأسبوع لبحث ترتيبات استجابة شركة الإمارات العالمية للألمنيوم للجائحة، حيث إذ تتحمل قدراً هائلاً من المسؤولية لضمان جاهزية الشركة لأي احتمال طارئ.
و على الرغم من كثرة الضغوطات والمسؤوليات، انتهزت الدكتورة مريم هذه الظروف للارتقاء والسعي إلى الاستفادة من الدروس التي تعلمتها أثناء مرحلة الدراسة. تحمل الدكتورة مريم شهادة البكالوريوس في الطب والجراحة من كلية دبي الطبية، كما حصلت على درجة الماجستير في الصحة المهنية من جامعة برمنغهام بالمملكة المتحدة. وتقول الدكتورة المازمي، أن عبء العمل الجديد قد حمل معنى آخراً لحلم طفولتها في العمل في المجال الطبي.
بداية الحياة المهنية
ولدت الدكتورة مريم المازمي في الشارقة وترعرعت في إمارة أبوظبي، وعملت في المملكة المتحدة والسويد، وقالت إنها لطالما أرادت أن تصبح طبيبة منذ الصغر. وعلى وجه التحديد، تستعيد ذكرياتها من المدرسة الثانوية، عندما طلبت مستشارة مهنية من فصلها أن يكتبوا أفضل ثلاث وظائف يحلمون بها، "لقد كتبت كلمة (طبيبة) ثلاث مرات. وعندما أكدوا على ضرورة اختيار مهنة آخرى، كتبت (طبيبة) كأول خيارين و(رائدة فضاء) كخياري الثالث".
وبعد اتمام دراسة الطب من كلية دبي الطبية، عملت المازمي لمدة عامين في هيئة الصحة بدبي، قبل أن تقرر في عام 2013 التخصص في طب الطيران - وهو اهتمام مستوحى بلا شك من والدها الذي عمل كطيار.
وتقدمت للحصول على درجة الماجستير في طب الطيران من "كينجز كولدج لندن" في المملكة المتحدة. وبعد فترة وجيزة من قبولها، تلقت إشعاراً من الجامعة بتأجيل القبول حتى عام 2014. وبدلاً من الشعور بالضيق، اعتبرت الدكتورة مريم المازمي ذلك فرصةً للاطلاع إلى خياراتٍ أخرى والذهاب إلى المملكة المتحدة على أي حال، حينها اشترطت والدتها أن تذهب مع أختها الصغرى التي حصلت بدورها على درجة البكالوريوس.
وسريعاً خلال بضعة أشهر، تم قبول كل من الدكتورة مريم المازمي وشقيقتها في جامعات المملكة المتحدة، ومن هناك، حصلت الدكتورة مريم على درجة الماجستير في الصحة المهنية في جامعة برمنغهام. تقول الدكتورة مريم إنها أحبّت الوقت الذي قضته أثناء الدراسة في المملكة المتحدة والسفر إلى جميع أنحاء أوروبا. وفي عام 2015، ومع اقتراب نهاية الدورة، تم تكريم الشقيقتين بجوائز الإنجاز الأكاديمي من قبل السفارة الإماراتية في لندن أثناء حضورهما منتدى رواد الإمارات والمملكة المتحدة، كما التقيتا بممثلي الشركات الرائدة في الإمارات الذين كانوا هناك من أجل توظيف الخريجين الموهوبين.
تقول الدكتورة مريم: "تحدثت إلى الكثيرين وقتها، لكن لم أجد فرص ذات صلة بمجالي. حتى توقفنا عند منصة شركة الإمارات العالمية للألمنيوم لأن أختي أرادت التحدث إليهم. بعد التحدث لفترة، سأل ممثل الشركة، سلطان الصابري - الذي عرفته لاحقاً وأكن له احتراماً كبيراً- عما أبحث عنه، فأجبته أنني طبيبة وقال إنهم بحاجة إلى شخص في الطب المهني، وأنني سأكون أول امرأة وأول إماراتية في هذا القسم".
وبعد عام واحد، انضمت الدكتورة مريم المازمي إلى شركة الإمارات العالمية للألمنيوم.
الصحة وسلامة الموظفين
وبعد تجديد رخصتها الطبية، بدأت الدكتورة مريم عملها في عيادة الصحة المهنية التابعة لشركة الإمارات العالمية للألمنيوم، حيث عملت على الفحوصات الطبية للعاملين قبل تعيينهم، ومراقبة الصحة المهنية وتقييم مكان العمل. لكنها تقول إنه خلال الأشهر الستة الأولى، قدمها السيد سلمان عبدالله، نائب الرئيس التنفيذي للصحة والسلامة والاستدامة والبيئة والجودة وتطوير الأعمال في شركة الإمارات العالمية للألمنيوم، إلى معظم أعضاء اللجنة التنفيذية في شركة الإمارات العالمية للألمنيوم بما في ذلك الرئيس التنفيذي للشركة. حيث تقول بحماس: "تلك هي الفرصة التي لا تحصل عليها في أي مكان آخر، وإن هذا التقدير والتحفيز هو ما جعلني أستمر".
في نهاية عام 2017، افتتحت شركة الإمارات العالمية للألمنيوم مركزاً طبياً جديداً في موقع الشركة بمنطقة الطويلة في أبوظبي. حيث طُلب من الدكتورة مريم المازمي تولي إدارة المركز الطبي الجديد، وهو المنصب الذي لا تزال تشغله حتى الآن، إلى جانب إدارة قسم الصحة المهنية وسلامة الموظفين في شركة الإمارات العالمية للألمنيوم. وتقول الدكتورة مريم: "يعتبر أداء السلامة لدينا أفضل بكثير من متوسط معدلات القطاع، لكن الهدف الوحيد المقبول هو انعدام الضرر، ولا يزال أمامنا المزيد لنفعله".
وعن أنشطة إدارتها، تقول الدكتورة مريم: "يخضع جميع الموظفين الجدد لتقييم ما قبل التعيين، للتأكد من لياقتهم للوظيفة التي يقومون بها. وبعد ذلك، نجري فحوصات دورية للصحة المهنية للتأكد من حفاظهم على لياقتهم البدنية وصحتهم طوال فترة عملهم معنا وخارجها. كما نقوم بالكثير من الإجراءات الوقائية مثل الحملات الصحية المنتظمة والحملات التوعوية، ونخطط لبدء جلسات العلاج الطبيعي في المستقبل".
وأضافت الدكتورة مريم أنها تود إطلاق المزيد من البرامج على غرار ورش العمل التي أقامها المركز الطبي حول الصحة النفسية والمرونة في العام الماضي، وذلك لكسر وتصحيح المفاهيم والأحكام المسبقة حول الصحة النفسية. وعن هدفها للمستقبل تقول: "رؤيتي هي التوقف عن النظر إلى قسمنا باعتباره" قسماً صحياً" يعالج الأمراض والإصابات فقط، وبدلاً من ذلك يصبح" قسم سلامة الموظفين والسعادة ". إذا كان الموظفون يتمتعون بالسعادة والصحة الجيدة، فإنهم سيعملون بشكل أفضل ويكونوا أكثر إنجازاً".
مكافحة كوفيد-19
لا يمكن لشركة كبيرة وذو أهمية للاقتصاد الوطني مثل شركة الإمارات العالمية للألمنيوم أن توقف عملياتها فجأة. لذلك، على الرغم من عدم توقع أحد أن تظهر جائحة كوفيد-19 في شهر مارس الماضي، علقت الدكتورة مريم: "إن الفريق الصحي تحت قيادة قبطان السفينة سلمان عبدالله قد أدرك بسرعة أنهم سيحتاجون إلى برنامج اختبار رئيسي للحفاظ على سلامة الموظفين أثناء العمل." وتقول: "أدركنا أن هذه المهمة ستكون كبيرة". في الواقع، تطوعت الدكتورة مريم لقيادة جهود القسم على الرغم من أنها كانت أصغر شخص من ناحية المستوى الوظيفي. وتقول: "كان لدى بعض الأعضاء المخاوف من عدم قدرتي على الالتزام بالساعات التي سينطوي عليها العمل أو الضغط الذي قد يجلبه، كوني سيدة وأماً أيضاً، لكني طمأنتهم بأنني موجودة دائماً، وقد عهدوا إلي بقيادة فريق العمل".
واتسمت الأسابيع والأشهر التالية بالأنشطة الضبابية المخلتفة والجديدة على الجميع، حيث بدأت الدكتور مريم بتعزيز إمكانات شركة الإمارات العالمية للألمنيوم لاجراء اختبارات كوفيد-19 إلى حوالي 500 اختبار في اليوم، إلى جانب تنظيم جميع الجداول والتخطيط والاختبار وتداول الأخبار ومستجدات الفيروس للموظفين. وتقول: "كنت أتصل بهم شخصياً، في أي وقت بالنهار أو الليل، إذ كان من المهم بالنسبة لهم تلقي مكالمة من طبيب، ولكنني كنت ممتنة أيضاً للقائمين على فريق دعم كوفيد-19 في الشركة الذي تم تشكيله للتعامل مع العمليات المختلفة التي تطلبتها الظروف الجديدة.
كان علينا أيضاً تنظيم إجراءات العزل لمن تظهر نتيجة اختباره إيجابية، والتنسيق مع السلطات الصحية للإبلاغ عن أرقام الحالات. ولمدة ثلاثة أشهر عملنا لعدد هائل من الساعات، على مدار الأسبوع. كان هناك الكثير من القرارات التي يجب اتخاذها، لكننا قمنا بتجميع فريق رائع للمساعدة في تحقيق ذلك بشكل مثالي. والأهم من ذلك، مكّن الاختبار والتتبع المكثف والاستباقي الإدارة من اتخاذ قرارات مستنيرة لحماية موظفينا والسيطرة على الفيروس".
وتتمثل إحدى النتائج الإيجابية للأشهر السابقة في كمية المعلومات التي جمعتها شركة الإمارات العالمية للألمنيوم من إجراءات الاختبار. وتتحدث الدكتورة مريم بإعجاب عن إصرار السيد سلمان عبدالله على جمع أكبر قدر ممكن من البيانات من خلال مراقبتهم للموظفين الذين ثبتت إصابتهم. وتقول: " لقد أدرك السيد سلمان عبدالله أنه يمكننا توفير بعض المواد القيمة للبحث في العلاجات الممكنة ولدينا خطط لمشاركة هذه البيانات مع السلطات والهيئات البحثية المهتمة، وأشار إلى أنه من واجبنا أن نفعل ذلك للأجيال المقبلة".
التوازن بين الحياة والعمل
لحسن الحظ، بعد أن هدأ وضع الجائحة قليلاً، تقول الدكتورة مريم المازمي إنها تمكنت من إيجاد بعض التوازن بين العمل والحياة مرة أخرى. فمن أصعب اللحظات التي مرت بها خلال فترة الجائحة هي ترك ابنتها البالغة من العمر سنة حينها مع والديها لمدة أسبوعين حتى تتمكن من التركيز على العمل وعدم تعريضها للفيروس، وهي مسؤولية وقعت لاحقاً على عاتق زوجها بالكامل. حيث تقول: "لا أعرف ماذا كنت سأفعل لولا الدعم الذي وجدته من عائلتي وخاصة زوجي، والذي كان هناك من أجلي خلال كل هذا الوقت، فقد كان الزوج، والمستشار والداعم، كلما اعتقدت أنني لا يمكنني الاستمرار".
وبشكل عام، تود الدكتورة مريم العودة إلى هواياتها، والتي تتضمن ركوب الخيل والحرف اليدوية والقراءة والطبخ. ومن الناحية المهنية، تركز على أهدافها المهنية طويلة المدى، وتقول إنها "فخورة جداً" بالعمل في شركة تعطي قيمة كبيرة لخلق الفرص للأشخاص، بغض النظر عن خلفيتهم أو جنسهم. وتقول: "شركتي تثق بي، وتدفعني للأمام. وزملائي محترمين جداً. لقد واجهت مواقف عندما قال شخص ما في اجتماع، حيث أنا المرأة الوحيدة، "شكراً لكم أيها السادة" وأجبت قائلة، "والسيدة"، لقد ضحكوا على ذلك، لكن في المرة القادمة أعلم انهم سيحترمون وجهة نظري بقولهم "سيداتي وسادتي". أعلم أنني أحظى بدعمهم الكامل وهذا يعني لي الكثير".
وأجابت الدكتورة مريم عن سؤال حول طموحها الوظيفي، قائلة: "قيادة قسم السعادة وسلامة الموظفين بالطبع"، تضحك على سرعة ردها، لكن من الواضح أنها لا تمزح. لقد درست الدكتورة مريم وعملت بجد للوصول إلى منصبها الحالي، وهي مستعدة للخدمة وقيادة المرحلة التالية من تطوير شركة الإمارات العالمية للألمنيوم.