وُلد ليكون مختلفاً
بعدما دخل الشاب الذي يحمل اسماً غير مألوف المستشفى ومكث فيها لعدة أشهر بسبب إصابته بسكتة دماغية في سن 21 عاماً، أصبح الآن يشغل منصباً استثنائياً في شركة الإمارات العالمية للألمنيوم
اقرأ المزيدإن بناء نسخة افتراضية طبق الأصل من منشأة صناعية يعود بفوائد جمّة على عمليات السلامة والصيانة والإجراءات التشغيلية، لكنّه أيضًا يعدّ مهمة معقّدة تحتاج إلى تطوير مستمر
مصفاة الطويلة للألومينا التابعة لـ"شركة الإمارات العالمية للألمنيوم" هي منشأة صناعية ضخمة. استغرق بناؤها 72 مليون ساعة عمل، وبلغ عدد القوة العاملة في ذروة أعمال البناء 11,542 عاملاً. واستخدمت الشركة حوالي 52,000 طن من الفولاذ أثناء البناء، وهو ما يكفي لبناء سبعة أبراج إيفل في باريس.
لكن بناء المنشأة لم يكن التحدي الوحيد، إذ كان على شركة الإمارات العالمية للألمنيوم كذلك تدريب أكثر من 600 شخص لتشغيل المنشأة الجديدة بشكل آمن وكفء، وكان عليهم أن يكونوا على أتم استعداد وخبرة منذ اليوم الأول من الإنتاج. وعلى الرغم من أن مصفاة الطويلة للألومينا هي الأولى من نوعها في الإمارات، فكيف استطاعوا القيام بذلك؟
كانت هذه الأسئلة وغيرها الكثير محط تفكير المهندس سوميت سونتاكي في "شركة الإمارات العالمية للألمنيوم."
يدير سوميت جهاز محاكاة تدريب المشغّل (Operator Training Simulator) لمصفاة الطويلة للألومينا، وهي نسخة افتراضية طبق الأصل من المصفاة، إذ يقوم بتزويدها بالمعلومات بشكل دائم كي يحصل على جميع التفاصيل المتعلقة بأداء المصفاة. تسمى هذه المحاكي التدريبية بـ "التوأم الرقمي" ولها مميزات عديدة وفوائد كبيرة حيث ساعدت على اختبار الأداء ووضع التعديلات المحتملة على عمليات التشغيل والانتاج قبل تطبيقها على أرض الواقع لأكثر من عام. وبالتالي مكنت فريق العمل من تطوير التصاميم وتعزيز الكفاءة وتجنب الأخطاء مما ساعد على خفض التكلفة و تحقيق أعلى مستويات الأداء التشغيلي.
و يوضح مهام التوأم الرقمي، قائلاً: "دعوني أقدم لكم مقارنة بسيطة مرتبطةَ بشيء تعرفونه. فكروا في منازلكم وكيف تعرفون بشكل محدّد أين يقع كل غرض في المنزل وكيف يتم تشغيله، وكيفية فهمكم لأي خلل قد يحدث. الآن تخيلوا حجم وتعقيد مصفاة الألومينا في الطويلة. كيف يمكنكم فهم كيفية تشغيلها قبل إتمام عملية البناء حتى؟ حسناً، هذه هي وظيفة التوأم الرقمي".
انضم سوميت، وهو مهندس كيميائي من الهند حاصل على شهادة دراسات عليا في الإدارة، إلى "شركة الإمارات العالمية للألمنيوم" في عام 2015 لإنجاز هذه المهمة. "حين نتحدث عن منشأة كاملة على قيد الإنشاء، فلا يمكن أن يكون لدينا أدنى فكرة عن كيفية عملها في بيئة واقعية قبل اكتمالها، إلا إنه من خلال التوأم الرقمي، الذي يعمل على تزويدنا بالمعرفة حول هذا الموضوع ويساعدنا على وضع استراتيجية التشغيل، فقد قمنا بتشغيله وتفعليه قبل اكتمال المنشأة الفعلية بوقت سابق جداً، إذ استطعنا تدريب الموظفين بالإضافة إلى أننا كنا نقوم بحل بعض المسائل التي صادفتنا قبل البدء بعمليات الإنتاج".
الغوص في التفاصيل
ومن الناحية التقنية، يشمل جهاز محاكاة تدريب المشغّل (OTS)، باعتباره توأمًا رقميًا، على النماذج العملية الديناميكية الحرارية والتصوير المرئي الفردي لنظام التحكم الموزّع (Distributed Control System). مما يعني فعليًا أنه ساعد في تحديد فجوات التصميم الحتمية في مشروع الطويلة، لتجنّب المشاكل المحتملة المتعلقة بتقنية التحكم خلال بدء التشغيل، والذي كان سيعرقل زيادته الانتاجية.
واستمر التوأم الرقمي منذ ذلك الحين في إثبات قيمته كبيئة ملائمة للاختبار والتدريب على العديد من السيناريوهات. إضافةً لكونه أداة مهمة للتخفيف من المخاطر، إذ أنه من الممكن تدريب مشغّلي غرفة التحكّم على حالات الطوارئ المختلفة في بيئة محاكاة. وللمقارنة، فكروا في كيفية استخدام طياري شركات الخطوط الجوية جهاز المحاكاة من أجل التعامل مع شتى سيناريوهات الطوارئ التي نأمل ألا تصادفهم أبدًا. مما يعني أن ضمان سلامة المشغّلين تزداد مع استخدام برامج مماثلة، كما إنه من شأنها تقليص خطر حدوث أي خطأ قد يؤدي إلى الإيقاف بشكل مفاجئ.
يقول سوميت: "تخيلوا حدوث تسرّب في المنشأة". "توجد احتمالية لوقوع حالات الوفيات في حال أن المشغّل لم يتعامل مع هذا الموقف من قبل. ولكن في حال أن الموّظف قد تدرّب على هذا الأمر عبر جهاز المحاكاة، فسيتمكن من التصرف والاستجابة بسرعة بديهية خلال الأزمات ".
ليس ذلك فحسب، فإن المصفاة تعمل على بارامترات (مقاييس) مختلفة كدرجة الحرارة والضغط والتدفق والتركيب. ويعد التوأم الرقمي مفيداً جدًا للحصول على مستوى الكفاءة المثلى الضرورية لتشغيل المصفاة، حيث أنه أداة مهمة لاختبار العملية إلى أقصى الحدود.
كما في إمكانه تعديل الخلل من خلال التنبؤ بكيفية تفاعل الآلة مع أي انقطاع. ونؤكّد مجددًا أن ذلك يساعد على عمل المراحل التشغيلية بأكملها بسلاسة وأمان أكبر. وبالطبع، تعتبر الجودة أيضاً من الأولويات لـ "شركة الإمارات العالمية للألمنيوم". ولذلك فإن التوأم الرقمي يعمل على مساعدة المشغّل في إنتاج المواد التي تتمتّع بالجودة المطلوبة.
إلّا أن هذه المهمة في تطوّر مستمر، لا سيما أننا نشهد العديد من المتغيّرات في شأن الطريقة التي تتفاعل بها الآلات المعقدة مع العمليات الكيميائية وتقلّبات درجات الحرارة وآلاف المتغيّرات الأخرى. وتتمثل مهمة سوميت بتحسين وتطوير التوأم الرقمي باستمرار، كي يشبه نظيره في العالم الحقيقي بدقة أكبر.
توقّعات المستقبل
يعد دمج البنية التحتية الثقيلة مع أجهزة الاستشعار والنماذج الرقمية جزءًا من التوجّهات نحو الثورة الصناعية الرابعة (الصناعة 4.0). وبينما تقوم إنترنت الأشياء (IoT) بتوفير المزيد من البيانات من الآلات الفيزيائية، يمكن للمهندسين أمثال سوميت إنشاء النماذج المشابهة للواقع إلى حد بعيد وبدقة أكبر.
من جهته، يعتقد سوميت أنه مع مرور الوقت، سيؤدي هذا إلى إمكانية توقّع التكنولوجيا لسيناريوهات المستقبل بدقة أكبر بكثير. أما في تكراره القائم، فلا يستخدم التوأم الرقمي الذكاء الاصطناعي، لكن سوميت يعمل حاليًا على إنشاء تطبيقات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي للمراحل المستقبلية.
"مستقبلاً، سيقدّم التوأم الرقمي المزيد من التوصيات. فكروا بـ"أليكسا" أو "سيري"، ثم تخيلوا كيفية تمكّن الأجهزة التي تستخدم تقنية إنترت الأشياء من أخذ البيانات من منشأة صناعية معقّدة ومن ثمّ تزويد التوأم الرقمي بها كي يوفّر التوصيات. إنني متأكد أنه في مرحلةً من المراحل سيكون باستطاعة الذكاء الاصطناعي والتعلّم الآلي إنجاز الكثير من الأمور التي نقوم بها حاليًا".
ويقول إن الثقة الكبيرة التي تضعها "شركة الأمارات العالمية للألمنيوم" بموظّفيها للبحث عن أفكار جديدة سوف تؤدّي إلى إمكانية تحقيق هذه السيناريوهات المستقبلية. "أنا محظوظ كوني أعمل مع إدارة رائعة تسلّط الضوء على التكنولوجيا ولا تتردّد حين يتعلّق الأمر بالاستثمار فيها. وبما أن ثقتهم كبيرة بموظفيهم، فهذا يعني أنه يمكنني أن ألعب بالتكنولوجيا وأختبر الأساليب المبتكرة. من جهة أخرى، نجد أن العديد من اللاعبين الآخرين في سوق الألمنيوم يركّزون فقط على المهام اليومية وعلى تحقيق الربح على المدى القصير أكثر من أي شيء آخر. إلا أننا في شركة الإمارات العالمية للألمنيوم نركّز على النتائج على المدى الطويل، بينما نتعلّم باستمرار، ونطبّق أحدث التقنيات التي تفيد الموظّفين والصناعة والبشرية في نهاية المطاف. هذه هي قوة الابتكار".